أحب كلمة "الركح". إنها كلمة تونسية تعني "خشبة المسرح". لم أسمع بها قبل أن أتعرف على تونس وأهلها. وجدت لها رنة. فيها صلابة وعزيمة. حين تجتمع الراء مع الكاف والحاء يصبح الكلام أكثر "صرامة": على سبيل المثال في "حكر". أو أكثر تدفقا مثل في كلمة "كرائحة" من جملة "كرائحة تنفذ الى القلب". ولو ذهبنا أبعد، الى الأمل والمرتجى، ستصطف الحروف الثلاثة بتلقائية في كلمة "كحرية" في جملة "كحرية لا يمكن الا أن تتحقق"!
لنجمع ما لدينا الآن في لعبة الحروف الثلاثة. سنحصل على:" ركح". "حكر". " كرائحة". "كحرية".
أحب أن أفكر بأن تونس هي من المدن القلائل التي ان زرتها أشعر دوما بطاقة ارتقاء وأحاسيس شتى من بينها:
أربع كلمات
أربع كلمات وعبارات قد تصح لتكون مدخلي لوصف البهجة التي تنتابني في كل مرة أحضر فيها عروضات "أيام قرطاج الكوريغرافية" التي تنطلق غدا في العاصمة التونسية.
نذهب الى تونس وأملنا في كل مرة كبير في أن نتجرع من خزينها الثقافي وشخصيتها الفريدة، بعضا مما تلاشى في مدن أخرى. لا تزال ارادة صنع الفن عصية على الانهزام والضغوطات، ولا يزال بوسعك أن تستوقف أيا من المارة في شارع بو رقيبة وتتجاذب معه أطراف الحديث عن السينما والمسرح والرقص والموسيقى، ولن يخذلك.. كثيرا.
بالطبع، هناك تحديات وأزمات خانقة يعيشها المجتمع التونسي، تفرض التفكير بالهم المعيشي أولا، لكن ملفت جدا كيف في هذه البلاد، لا تزال أحاديث الفن تعجن مع أحاديث الخبز، وشيء من عطر الابداع يغطي على بعض روائح شيخوخة البنى التحتية، وكثير من مطر الوحي يرخ فوق عطش في أثلام الشارع.
لذلك تونس، كانت وستظل ملهمة، لأنها عصية.
لامركزية وتمدد
"الأيام" التي تدعمها المؤسسة الرسمية تسعى الى تكريس انفتاح تونس التاريخي على مختلف الثقافات، وأيضا دعم الشباب التونسي، ومفاهيم اللامركزية الثقافية، ومأسسة مستقبل فن الرقص في تونس، كما تشير وزيرة الشؤون الثقافية حياة القرمازي في افتتاحية كتاب الفعالية.
وهي نفسها الفكرة التي يتحدث عنها المدير الفني سليم بن صفية، اذ يعتبر أن الـدورة الخامسـة مـن أيـام قرطـاج الكوريغرافيـة "تخاطب الجمهـور الـذي لا يصـل في العادة الى قاعـات العـرض، وذلك مـن خلال تركيـز ركـح قار طيلـة أيـام املهرجـان في شـارع الحبيـب ّ بورقيبـة بالعاصمـة ليتحـول "الشارع الرمز" الى مـرح مفتـوح أمـام المارة للتمتـع بباقـة مـن العـروض العالمية والتونسـية بصفـة مجانيـة. ويتابع:" لــن تكــون المناطق بمعزل عــن أيــام قرطــاج الكوريغرافيــة، وســيكون لهــا نصيبهــا، كما على سبيل المثال، موقع "توبربو ماجوس" الذي يقع قرب مدينة الفحص بولاية زغوان".
إنه نوع من الحق في الوصول الى الابداع و"حرية" القاطن في أي ولاية من تلقف حصته في الفن الذي تصطخب به العاصمة.
على مدى أكثر من أسبوع، سيكون الجمهو على موعد مع "الركح" حيث يحل 179 فناناً من حول العالم، في تظاهرة لا مثيل لها من هذا النوع بين المدن العربية فتكون "حكرا" على تونس بوجود 27 عرضاً راقصاً، منها 17 عرضاً تونسياً و10 عروض من دول من قارات العالم الخمس، وليفوح الياسمين في آفاق تونس، "كحرية" تفوح من "الحركية".