ليس من الصدفة أن يكرر "معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية" بدورته العشرين اطلاق مسابقة أثيرة، وهي تصميم أفضل "برقع" لوجه الصقر. اذ أن هذه القطعة الصغيرة، لها رمزية تاريخية وقيمة تراثية أصيلة، كما أن درجة كفاءتها ومدى فائدتها، تحددان سلوك الطير.
الدورة التي ربطت بين الاستدامة والتراث، دعمت عبر هذه المسابقة ومسابقات أخرى، الحرفيين والمُبدعين والشركات المُتخصّصة في صناعة أدوات ومُعدّات الصقارة. وكان 32 حرفياً مُبدعاً قد شاركوا العام الماضي، في المُسابقة الفريدة من نوعها من الإمارات ودول عربية وعالمية.
لماذا "برقع الصقر" قطعة مهمة للصقار؟
1. على الصقار أن يختار النوع الجيد والمقاس المناسب للطائر، لأن المقاس المناسب يجعل الصقر في حالة من الراحة والطمأنينة، فيسهل الاقتراب منه والتعامل معه، دون أن يستعد للمقاومة، مما قد يعرضه للخطر أو يتسبب ذلك في أذى من يقترب منه.
2. أما في حالة عدم مناسبة البرقع للطير فإنه تبدو عليه بعض الصفات غير الجيدة والتي قد تصبح عادة، فإذا كان ضيقاً فإن الطير يتعلم الصياح وهي عادة غير محبوبة في الصقور.
3. اذا كان البرقع واسعاً، يستطيع أن يرى منه الطائر، وفي هذه الحالة يتعلم الخفاق المستمر، كما يؤدي ذلك إلى خوف الطير وفزعه وبالتالي تنتج عن ذلك أمور سلبية كثيرة تنعكس على حياته وطرق تعليمه. فاتساع البرقع يؤدي إلى أن خطر أن يحذفه الطير، ويستطيع إسقاطه من رأسه.
4. يجب الحرص على نظافة البرقع، فاتساخه أو تعلق بعض مخلفات الطعام فيه مثل اللحم وغيره يؤدي إلى مضايقة الطائر في عينيه وتنفسه وما إلى ذلك من الأمور التي تؤدي الى انزعاجه.
رياضة الملوك
كانت رياضة الصيد بالصقور، التي يطلق عليها غالبًا "رياضة الملوك"، جزءًا لا يتجزأ من الثقافات المختلفة لآلاف السنين. محور هذا التقليد القديم هو غطاء رأس الصقر "البرقع"، وهو قطعة غنية بالتاريخ كما هي في الوظائف. اليوم، لا يعتبر هذا الغطاء، مجرد أداة عملية ولكنه رمز للهوية والتراث والحرفية.
يمكن إرجاع أقدم سجلات الصيد بالصقور إلى عام 2000 قبل الميلاد في الصين ومنغوليا. بحلول الوقت الذي وصلت فيه الصقارة إلى الشرق الأوسط، حوالي 400 بعد الميلاد، أصبحت ممارسة استخدام "البراقيع" راسخة. تشهد منحوتات بلاد ما بين النهرين والكتابات الهيروغليفية المصرية القديمة على صقور ترتدي أغطية مزخرفة، مما يدل على أهميتها في تلك الحضارات.
الامبراطور الصقار
واحدة من أكثر الحكايات الآسرة في التاريخ هي قصة الإمبراطور فريدريك الثاني ملك الإمبراطورية الرومانية المقدسة. كان صقارا مشهورا في القرن الثالث عشر، قام بتأليف رسالة "De Arte Venandi cum Avibus" أو "فن الصيد مع الطيور". لم توضح هذه الرسالة الشاملة علم وفن الصقارة فحسب، بل أوضحت أيضًا تصميم وأهمية غطاء رأس الصقر. يتضح من هذه الكتابات أن هذا الغطاء كان مهمًا، كما هو الآن.
وفي أوروبا، لطالما كلف الملوك والنبلاء الخياطين والصقارة بتصميم أغطية فاخرة مزينة بالأحجار الكريمة وخيوط الذهب والتطريز المعقد. كانت هذه القلنسوات تعكس مكانة الطائر بقدر ما كانت تعكس مكانة مالكه.
البدو قبل "جي بي أس"
برقع الصقر يحمل طبقات من المعنى. بالنسبة للقبائل البدوية في الشرق الأوسط، لم تكن الصقارة مجرد رياضة بل وسيلة للبقاء على قيد الحياة، فهي ساعدت في الصيد في البيئات الصحراوية القاسية. لذلك كان غطاء الصقر، يُصنع بعناية فائقة، ولم يكن مجرد أداة. لقد كان شعارًا للفخر والهوية وجسرًا لتقاليد وتراث قديمين. في عالم يسبق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ووسائل الراحة الحديثة، كان الصقر وغطائه رمزًا لارتباط البدو بالأرض والسماء.
جلد وحرير
يعتبر صنع غطاء الصقر شكلا من أشكال الفن. اذ يعكس اختيار المواد والتصميم كلاً من الوظيفة والفروق الثقافية. غالبًا ما كانت الأغطية التقليدية تُصنع من الجلد، وتم اختيارها لقوة تحملها وقدرتها على التشكل بشكل مثالي على رأس الطائر. غالبًا ما تكون البطانة الداخلية، وهي ضرورية لضمان راحة الطائر، مصنوعة من مواد أكثر نعومة مثل الحرير أو اللباد.
بمرور الوقت، عندما أصبحت الصقارة أكثر من مجرد صيد وتطورت لتصبح رمزًا للرياضة والمكانة الاجتماعية لصاحبها، اكتسبت جماليات غطاء الصقر مكانة بارزة. في مناطق مثل الشرق الأوسط، بدأت القلنسوات (البراقيع) تحمل تصميمات من الخط العربي المعقد والأنماط الهندسية وحتى نسيج الخيوط الذهبية والفضية، مما يعكس ثراء هذه الثقافة. لم تكن الأرستقراطية الأوروبية بعيدة عن الركب. لقد فضل اصحاب الصقور القلنسوات المزينة بشعارات عائلاتهم والريش والأحجار الكريمة.
اعتراف أممي
اليوم ، يقف غطاء الصقور كدليل على النسيج الغني لتاريخ البشرية وعلاقته بالطبيعة. اعترفت اليونسكو بالصقارة كتراث بشري حي، مؤكدة على دور غطاء الصقر في هذا التقليد.
تعرض المتاحف في جميع أنحاء العالم، من متحف الصقور في بلجيكا إلى المركز الوطني للطيور الجارحة في المملكة المتحدة، وصولا الى "معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية" مجموعة من الأغطية، كل منها يروي قصته الخاصة عن الزمان والمكان والناس. على الرغم من أن الصقارين المعاصرين مجهزين بأحدث التقنيات، إلا أنهم ما زالوا يعتمدون على غطاء الصقر التقليدي، وغالبًا ما يختارون التصميمات التي تم تناقلها عبر الأجيال.
اذا، غطاء الصقر هو أكثر بكثير من مجرد إكسسوار. إنها قطعة تربط الماضي بالحاضر، وتجسيد بالابتكار، وعلاقة البشر بالطبيعة. مع استمرار ازدهار الصقارة على مستوى العالم، يظل الغطاء رمزًا صامتًا ولكنه قوي للتراث الذي يرفض الزوال. إنه يذكرنا بالوقت الذي كانت فيه السماء هي الحد الأقصى، وكان الطائر، مع غطاء على شكل تاج، هو الجسر بين الأرض والسماء.