أتحدث عن إدوين دينبي، ناقد الرقص الأميركي الشهير، الذي قال يوما أن "جمال الرقص الحقيقي يكمن في مقدرته على ربطنا بأعمق مشاعرنا"، وقال أيضا أن "الراقصون هم شعراء العالم المادي، يستخدمون أجسادهم كأدوات لخلق لغة تتحدث مباشرة إلى القلب"، ثم، ذات ليلة ثلاثاء، في منزله الصيفي في سيسرسبورت، قرر وهو في عمر الثمانين أن يضع حدا لحياته الصاخبة بآلاف العروضات والراقصين الذين خلد أسماء بعضها في مئات المقالات.
تعرفت على الرقص من خلال سيرة بطلي الأول في عالم الكتابة عن الرقص، ككل الأشياء التي اختبرتها بعد ذلك واقعا تاليا لمعرفة القراءة والاطلاع، وكنت على مدى سنوات، حين تطفأ الأنوار وتشتعل غواية "النحت بالاجساد" على الخشبة، أتذكره وأفكر دوما في السؤال ذاته:" كيف ينتحر من هو في الثمانين؟". اليوم، وأنا في منتصف العمر، يروق لي أن أقترح اجابة، غير ملتزمة بـ"منهج نقدي" محدد: ربما يكون تواصل أكثر من اللازم مع.. " أعمق مشاعره"!
تخطر هذه الأفكار، فيما أطالع بشغف "كاتالوغ" الدورة الخامسة من "أيام قرطاج الكوريغرافية" التي أحل ضيفا إعلاميا على فعالياتها ابتداء من العاشر من يونيو في تونس الحبيبة، ولمدة أسبوع، في فعاليات تنبض بالحياة في مواجهة التلاشي، بالأمل في وجه الضيق، بالحركة في وجه الجمود ومن يسعى اليه.
لقد أثر في بشكل خاص، الى جانب الكثير من المعلومات عن العروضات، التي سآتي على ذكرها في سياقات أخرى متتالية، تخصيص طاولات حوار مستديرة حول فن الرقص وتجلياته الاجتماعية والفكرية والثقافية، واحداها ستتعرض الى وظيفة ناقد الرقص، وتطرح اسئلة هامة عما اذا كانت هذه الوظيفة، التي امتهنها دينبي بدءا من ثلاثينات القرن الماضي، لا تزال حية، في زمن منصات التواصل الاجتماعي، حيث يحق لكل من يمتلك جمهورا (أو لا يمتلك) أن يدلي بدلوه "ناقدا" لجهود ورؤى فنية، قد يكون قاصرا عن فهمها أو تتبع مسارات أفكارها.
على أي حال، لقد أوحى لي خبر تنظيم هذه الندوة لكي أبحث عن نظرة نقاد رقص مرموقين على مدى قرن من الزمن، وهم ليسوا حصريين بالتأكيد لكنهم من الأشهر، لعالم الرقص، لأكمل بحثي في تلقف 50 مقولة رائعة عن الرقص، بحثت عن تلك الأوراق الصفراء الصغيرة اللاصقة لكي أحتفظ ببعضها في مجال مرئي على حائط المكتب.
تختصر هذه المقولات الكثير عن فلسفة نقد الرقص، وبوسع كل واحدة منها ان تمد جسرا الى النقاش، كذلك تساعد في الاجابة على بعض الأسئلة التي سترمى على طاولة الحوار من قبيل:" هل لا يزال الناقد قادرا على التأثير على استمرارية عمل من عدمه، وبالتالي مقدرته على التدخل في دورة اقتصادية ابداعية؟"." إلى أي مدى يثير هذا الناقد التساؤل عن قيمة العمل الفني؟". " الى من يتوجـه الناقـد؟ إلـى القـارئ العابـر، إلـى الفضولـي؟ إلـى عشـاق الفـن؟".
اسئلة عميقة ومتشعبة تثيرها ندوة واحدة من أصل ندوات عدة، في دورة يقف فيها أمام الجمهور (والنقاد؟) أكثر من 179 فنانا وفنانة ومهنيا ومهنية لينحتوا أعمق مشاعرهم في 10 فضاءات مختلفة.
فيما يلي قائمتي المفضلة لنقاد رقص لهم صيت، واشهر ما قالوه عن الرقص، في عبارات مقتبسة من سيل مقالاتهم الكثيرة، مع نبذة تعريفية عن كل واحدة من بينهم.
المنتحر أدوين: جودة الحركة أولا!
إدوين دينبي (1903-1983) كان ناقدًا للرقص الأمريكي معروفًا بكتاباته الثاقبة عن الرقص الحديث ورقص الباليه. وشدد على أهمية جودة الحركة والموسيقى في انتقاداته، وكان لعمله تأثير كبير في تشكيل نقد الرقص في منتصف القرن العشرين.
مات منتحرا وكان في حالة صحية سيئة لعدة سنوات. أقام في نيويورك منذ ثلاثينيات القرن العشرين، وعبر عن نفسه أولا كشاعر ونشر أربعة كتب شعرية. لكنه حقق أعظم إشادة كناقد رقص، وأثر نقده بعمق على أجيال عديدة من كتاب الرقص. تميزت كتاباته بالصور المثيرة، وحتى الشعرية، التي تمكن من خلالها من التقاط نكهة الأداء وتحليل بنية الرقصات. بالتعاون مع أورسن ويلز، كتب "Horse Eats Hat"، وهو مقتبس من مهزلة فرنسية تم تقديمها في نيويورك بواسطة المسرح الفيدرالي في عام 1936.
10 أقوال شهيرة لـ"إدوين دينبي" عن الرقص:
أرلين مثيرة الجدل: دفاعا عن "الذخيرة"
أرلين كروس (1934-2018): كانت كروس ناقدة رقص مؤثرة لمجلة نيويوركر. اشتهرت بانتقاداتها الحادة والمثيرة للجدل في كثير من الأحيان، والتي تحدت المعايير السائدة في نقد الرقص. كانت مدافعة عن الحفاظ على ذخيرة الباليه التقليدية مع تقديرها أيضًا للرقص الحديث والمعاصر.
10 أقوال شهيرة لـ"أرلين كروس" عن الرقص:
ديبورا: دفاعا عن التنوع
ديبورا جويت ناقدة ومؤلفة أمريكية بارز في مجال فن الرقص، وقد كتبت على نطاق واسع عن الرقص لمنشورات "ذا فيليج فويس" و" دانس ماغازين" وامتد عملها على أنواع وأساليب مختلفة. كانت مدافعة قوية عن تضمين الأصوات ووجهات النظر المتنوعة في نقد الرقص.
10 أقوال شهيرة لـ"ديبورا جويت" عن الرقص:
1. "الرقص لغة تخاطبنا على المستوى البدائي، وتتجاوز حدود الكلمات وتصل مباشرة إلى القلب."
2. "الراقصين الرائعين لديهم القدرة على الكشف عن ذواتهم الحقيقية من خلال الحركة، وخلق علاقة عميقة مع الجمهور."
3. "الرقص لا يقتصر فقط على التقنية؛ إنه يتعلق بالأصالة والرقة اللذين يجلبهما الراقص إلى أدائه."
4. "جسد الراقص عبارة عن لوحة قماشية حية، كل حركة عبارة عن ضربة فرشاة تروي قصة فريدة وآسرة".
5. "الرقص هو احتفال بالروح البشرية، وشهادة على قدرتنا على الإبداع والتعبير والمرونة."
6. "تكمن قوة الرقص في قدرته على تحدي تصوراتنا، وتخطي الحدود، وإثارة الفكر والعاطفة."
7. "الراقصون هم سفراء لما هو غير ملموس، يترجمون الأفكار والعواطف المجردة إلى جسدية ملموسة".
8. "الرقص هو محادثة بين الجسد والموسيقى والفضاء، تفاعل متناغم للإيقاع والتعبير."
9. "الجمال الحقيقي للرقص يكمن في تنوعه وشموليته، مع الراقصين من خلفيات وأنماط مختلفة تثري الشكل الفني".
10. "الرقص هو استكشاف لا ينتهي، رحلة مستمرة لاكتشاف الذات والنمو الفني."
أكوسيلا: السياق التاريخي
جوان أكوسيلا ناقدة رقص مشهور لمجلة نيويوركر ومؤلفة ذي صيت. تغطي كتاباتها مجموعة واسعة من أشكال الرقص، من الباليه الكلاسيكي إلى الرقص المعاصر. ساهمت تحليلاتها الدقيقة في تسليط الضوء على السياق التاريخي للأعمال بشكل كبير.
10 أقوال شهيرة لـ"جوان أكوسيلا" عن الرقص:
1. "الرقص هو الشكل الفني الذي يقرن جسم الإنسان بالموسيقى، ويخلق سمفونية بصرية تتجاوز الكلمات."
2. "الراقص العظيم لا يمتلك البراعة التقنية فحسب، بل يمتلك أيضًا القدرة على بث العاطفة والمعنى في كل حركة."
3. "الرقص هو تعبير عن الروح، لغة تتكلم بأحجام دون أن تنطق بكلمة واحدة".
4. "الراقصون هم شعراء الحركة، يستخدمون أجسادهم لخلق روايات تمس قلوب وعقول جمهورهم".
5. "الرقص هو الاحتفال النهائي بالشكل البشري، حيث يُظهر قوته وخفة حركته وقدرته على النعمة".
6. "الراقصون هم مستكشفون شجعان، يدفعون باستمرار حدود ما يمكن أن يحققه الجسم ويعبرون عن أعماق التجربة الإنسانية."
7. "الرقص شكل فني دائم التطور، يحتضن التقاليد بينما يحتضن الابتكار، ويبحث دائمًا عن طرق جديدة للفتن والإلهام."
8. "فن الراقص لا يكمن فقط في دقته الفنية ولكن أيضًا في قدرته على التواصل والتواصل مع الجمهور على المستوى الداخلي."
9. "الرقص هو لغة عالمية تتجاوز الحواجز الثقافية، مما يسمح لنا بالتواصل مع الآخرين وتجربة قوة العاطفة الجماعية."
10. "للرقص القدرة على نقلنا، ليأخذنا في رحلة خارج حدود وجودنا، ويوقظ حواسنا على جمال العالم."
ماكولاي: تاريخ شامل
شغل أليستر ماكولاي منصب الناقد الرئيسي للرقص في صحيفة نيويورك تايمز من عام 2007 إلى عام 2018. وهو معروف بمعرفته الشاملة بتاريخ الباليه ونقده الواضح. غالبًا ما تتعمق كتابات ماكولاي في الجوانب الفنية للرقص وتفسير العروض.
10 أقوال شهيرة لـ"جوان أكوسيلا" عن الرقص:
1. "الرقص هو شكل من أشكال الشعر المكتوب على الجسد، لغة تتحدث مجلدات دون أن تنطق بكلمة واحدة".
2. "الراقص العظيم يمتلك القدرة على تجاوز التقنية، ويأسر الجماهير بفنهم وعمقهم العاطفي."
3. "للرقص القدرة على نقلنا إلى عالم آخر، حيث حدود الواقع غير واضحة، ويحتل جمال الحركة مركز الصدارة."
4. "الراقصون هم رواة القصص الجسديون، ينسجون الحكايات بأجسادهم ويدعوننا لتجربة الحالة الإنسانية في أبهى صورها."
5. "الرقص هو تزاوج بين الرياضة والفن، حيث تجتمع القوة والمرونة والنعمة لخلق لحظات من السحر المطلق."
6. "يكمن فن الراقص في قدرته على تفسير وتجسيد رؤية مصمم الرقصات، وبث الحياة في الحركة وإثارة المشاعر العميقة."
7. "الرقص هو احتفال بالروح البشرية، ويظهر قدرتنا على الصمود، والضعف، والإبداع اللامحدود."
8. "الراقصون هم تجسيد للانضباط والتفاني، ويصقلون حرفتهم بلا كلل لتحقيق التميز التقني والسمو الفني."
9. "الرقص هو انعكاس للمجتمع، يعكس انتصاراته ونضالاته وتطلعاته، ويوفر عدسة فريدة يمكننا من خلالها فهم أنفسنا."
10. "تكمن قوة الرقص في قدرته على لمس أرواحنا، مما يترك أثراً لا يمحى يدوم طويلاً بعد انتهاء العرض".